يرى أحمد أبو الدوح، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن السياسة الخارجية المصرية ستدخل عام 2026 وهي محكومة بمنطق «القليل والمتأخر»، رغم النشاط الدبلوماسي الملحوظ الذي شهدته القاهرة خلال العامين الماضيين. يوضح الكاتب أن حكومة مصر الحالية تولت أدوار وساطة في غزة والملف النووي الإيراني، وسعت إلى تهدئة التصعيد في جنوب لبنان، وساندت الجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع، غير أن هذا الحراك لم يترجم إلى نفوذ حقيقي مستدام.
ويقدم التحليل الذي نشره تشاتام هآوس قراءة نقدية لحدود الدور المصري في ظل نظام إقليمي جديد تميل فيه واشنطن إلى إعطاء الأولوية لإسرائيل ودول الخليج، على حساب أدوار تقليدية مثل الدور المصري.
هل عادت مصر لاعبًا إقليميًا؟
يوضح أبو الدوح أن السياسة الخارجية المصرية ظلت لسنوات طويلة محكومة بثلاثة أهداف أساسية: تحييد التهديدات القريبة من الحدود، ضمان بقاء النظام، ومحاولة إنعاش اقتصاد يعاني اختلالات مزمنة. خلال عام 2025، اتخذت القاهرة خطوات عدّة في هذا الاتجاه، من أبرزها التقارب مع قطر وتركيا والسعودية، بعد سنوات من التوتر، مستفيدة من تقاطع المصالح في ملفات غزة والسودان.
يلفت الكاتب إلى أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض شكّلت عاملًا إضافيًا دفع القاهرة إلى هذا المسار، نظرًا لعلاقاته الوثيقة بدول الخليج. عملت مصر وقطر وتركيا كوسطاء رئيسيين، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، للتوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس. سعت القاهرة إلى تقديم نفسها طرفًا لا غنى عنه في إنجاح خطة ترامب للسلام في غزة، خاصة أن الخطة، بخلاف مقترحات سابقة، لا تتضمن تهجير الفلسطينيين، وهو ما ترفضه مصر بشكل قاطع.
إلى جانب الوساطة، حاولت القاهرة لعب دور «الدولة الجامعة»، فاستضافت القمة العربية الطارئة بشأن غزة في مارس 2025، ثم قمة شرم الشيخ للسلام التي أعلنت نهاية الحرب في أكتوبر من العام نفسه. وفي السودان، وجدت مصر نفسها على خط واحد مع تركيا والسعودية في دعم الجيش السوداني لمنع سيطرة قوات الدعم السريع المدعومة إماراتيًا على البلاد.
الاستثمار والاقتصاد كقيد أساسي
يرى الكاتب أن هذه التحركات تواجه قيودًا جدية، في مقدمتها الوضع الاقتصادي الداخلي. تعاني مصر من ديون عامة غير مستدامة، وسوء إدارة اقتصادية، وبطء في وتيرة الإصلاح، رغم مؤشرات تعافٍ محدودة. كما تضررت إيرادات قناة السويس، التي تشكل مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة، بشدة بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، فانخفضت من أكثر من 10 مليارات دولار عام 2023 إلى نحو 4 مليارات دولار في 2024.
في المقابل، نجحت القاهرة في جذب صفقات استثمارية وتمويلية مهمة، يرى الكاتب أنها تعكس جزئيًا تقديرًا لدورها الإقليمي. من أبرز هذه الصفقات اتفاق «رأس الحكمة» مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار، وتوسيع قرض صندوق النقد الدولي إلى 8 مليارات دولار، إضافة إلى اتفاق مع قطر بقيمة تقارب 30 مليار دولار لتطوير منطقة العلمين – العلم الروم على الساحل الشمالي.
لكن أبو الدوح يحذّر من أن هذه الإنجازات لا تخفي التحديات البنيوية العميقة. تراجع مستويات المعيشة أضعف الاستقرار الاجتماعي، وأسهم في تآكل الطبقة الوسطى. كما أدت هيمنة المؤسسة العسكرية على قطاعات واسعة من الاقتصاد، والمشروعات الضخمة المكلفة ذات الطابع الاستعراضي، إلى نفور القطاع الخاص وهروب رؤوس الأموال، ما يعمّق نموذج «رأسمالية الدولة» ويحد من انفتاح الاقتصاد.
«القليل والمتأخر» كنهج دائم
يؤكد الكاتب أن السياسة الخارجية المصرية لا تعاني فقط من القيود الاقتصادية، بل أيضًا من طابعها التفاعلي لا الاستباقي. ينتج عن ذلك تحالفات قصيرة العمر ومكاسب مؤقتة. يعزو أبو الدوح هذا النهج إلى طبيعة القيادة الحاكمة، التي تفضّل تجنّب المخاطر والتدخلات البعيدة عن الحدود منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2014، في إطار سياسة «مصر أولًا» التي تخدم الأولويات الاقتصادية الداخلية.
سعت القاهرة إلى تجنّب إغضاب الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات، التي تقدم دعمًا سياسيًا وماليًا مهمًا، ما دفعها إلى ترك أدوار أكثر فاعلية لهذه القوى. يلاحظ الكاتب أن ترامب يبدو ميّالًا إلى نظام إقليمي جديد يتمحور حول الخليج وإسرائيل، مع تراجع مكانة مصر، وهو ما ظهر في جولاته الخليجية المكثفة.
يحذّر أبو الدوح من أن هذا النهج قد يفضي إلى كلفة أعلى على المدى الطويل. في السودان، على سبيل المثال، ترددت القاهرة في تقديم دعم عسكري كافٍ للجيش في المراحل الأولى، ما أتاح لقوات الدعم السريع تحقيق مكاسب كبيرة. وفي ملف سد النهضة، فشلت مصر في فرض اتفاق قانوني ملزم حول تقاسم مياه النيل، ما أدى إلى تآكل نفوذها التاريخي.
يخلص الكاتب إلى أن عام 2026 سيشهد استمرار هذا المسار، مع سعي القاهرة لاستخدام قنواتها المفتوحة مع إدارة ترامب لمنع أي محاولات جديدة لتهجير الفلسطينيين، وتعميق الشراكات مع قطر وتركيا والسعودية، مع الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل كأولوية استراتيجية عليا.
https://www.chathamhouse.org/2025/12/egypts-foreign-policy-will-remain-too-little-too-late-2026

